سورة طه - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


قال هي عصاي وأخذ يُعدِّد ما له فيها من وجوه الانتفاع فقال له: {قَالَ أَلْقِهَا يا مُوسَى}.
فإنَّك بنعت التوحيد، واقفٌ على بساط التفريد، ومتى يصحُّ ذلك، ومتى يَسْلَمُ لك أن يكون لَكَ معتمدٌ تتوكأ عليه، ومستند عليه تستعين، وبه تنتفع؟
ثم قال: {وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى}: أَوَّلُ قَدَمٍ في الطريق تَرْكُ كلِّ سَبَبٍ، والتَّنَقِّي عن كل طَلَبٍ؛ فكيف كان يَسْلَمُ له أن يقول: أَفْعَلُ بها، وأمتنع، ولي فيها مآرب أخرى.
ويقال ما ازداد موسى- عليه السلام- تفصيلاً في انتفاعه بعصاه إلا كان أقوى وأَوْلَى بأن يؤمن بإلقائها، والتنقي عن الانتفاع بهاعلى موجب التفرُّد لله.
ويقال التوحيد التجريد، وعلامةُ صحته سقوط الإضافات بأْسْرِها؛ فَلا جَرَمَ لما ذكر موسى- عليه السلام- ذلك أُمِرَ بإلقائها فجعلها اللَّهُ حَيَّةً تسعى، وولَّى موسى هارباً ولم يُعَقِّب. وقيل له يا موسى هذه صفة العلاقة؛ إذا كوشِفَ صاحبُها بِِسِرِّها يهرب منها.
ويقال لمَّا باسطه الحقُّ بسماع كلامه أخذته أريحية سماع الخطاب، فأجاب عما يُسْأَل وعمَّا لم يُسْأَل فقال: {وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى}: وذَكَرَ وجوها من الانتفاع؛ منها أنه قال تؤنسني في حال وحدتي، وتضيءُ لي الليلَ إذا أظلم، وتحملني إذ عَييتُ في الطريق فأركبُها، وأَهُشُّ به على غنمي، وتدفع عني عَدَوِّي. وأعظم مأربٍ لي فيها أَنَّكَ قُلْتَ: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} وأيةُ نعمةٍ أو مأربٍ أو منفعةٍ تكون أعظمَ مِنْ أَنْ تقولَ لي: وما تلك؟ ويقال قال الحقُّ- بعد ما عدَّد موسى وجوَه الآياتِ وصنوفَ انتفاعِه بها- ولَكَ يا موسى فيها أشياءٌ أخرى أنت غافلٌ عنها وهي انقلابُها حيةً، وفي ذلك لك معجزةٌ وبرهانُ صِدْقٍ.
ويقال جميعُ ما عَدَّدَ من المنافع في العصا كان من قِبَلِ الله.... فكيف له أن ينسبها ويضيفها إلى نفسه ولهذا قالوا:
يا جنَّة الخُلْدِ والهدايا إذا *** تُهدَى إليك فما مِنْكِ يُهْدَى
ويقال قال موسى لها رآها حيةً تهتز: لقد عَلِمْتُ كلَّ وصفٍ بهذه العصا، أَمَّا هذه الواحدة فلم أعرفها.


لا عِبْرةَ بما يوهِمُ ظاهرُ الأشياء؛ فقد يُوهِمُ الظاهرُ بشيءٍ ثم يبدو خِلافُه في المستقبل؛ فعصا موسى صارت حيةً.
ثم قال المقصود بذلك أن تكون لك آيةً ومعجزةً لا بلاءً وفتنةً.
قوله: {قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ...} أَشْهَدَه- بانقلاب العصا من حالٍ إلى حال؛ مرةً عصا ثم ثعباناً ثم عصا مرةً أخرى- أَنَّه يُثَبِّتُ عِبادَه في حال التلوين مرةً ومرةٌ؛ فَمِنْ أَخْذٍ ومِنْ رَدَّ، ومن جَمْعٍ ومن فَرْقٍ الخ.


كما أراه آيةً من خارج أراه آيةً من نَفْسِه، وهي قلْبُ يَدِه بيضاءَ؛ إِذْ جَعَلَها في جيبه من غير البَرَص. قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِى الأَفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ} [فصلت: 53].
وإنما قال: أَدْخِلْ يَدَكَ في جيبِك ولم يقل كُمِّك لأنه لم يكن لِمَا عليه من اللِّباس كُمَّان.
قوله: {لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَاتِنَا الكُبْرَى}: الآية الكبرى هي ما كان يجده في نفسه من الشهود والوجود، وما لا يكون بتكلُّفِ العبد وتصرُّفهِ من فنون الأحوال التي يدركها صاحبُها ذوقاً.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9